سلطان بن ناصر القاسمي
تمنح العلاقة الزوجية الأزواج كثيرًا من الفوائد التي تسهم في الاستقرار النفسي، والحياة في رفاهية، والشعور بالرضا، وتخفيف ضغوطات الحياة، ولكن بالمقابل هناك تحديات تواجه تلك العلاقة إذا لم تكن هناك مرونة في التعامل بين الزوجين للتغلب على كثير من تحديات الحياة.
نعم، يُعد الزواج رابطًا ديناميكيًا بين شخصين يتطلب الرعاية والاهتمام من كلا الطرفين، ولكن هل يوجد زواج بدون مشاكل؟ يتضمن الزواج العديد من التحديات، ويمكن أن تضع هذه التحديات الزوجين تحت ضغط كبير، لكن العمل على مواجهتها معًا يمكن أن يقوي الروابط، وبالتالي قد تفرقهم هذه التحديات وقد تقربهم اعتمادًا على كيفية تعاملهم معها. وللحديث عن أهم ما قد يعكر صفو العلاقة الزوجية، هو دخول الحياة الزوجية في مرحلة تُعد من أهم المراحل، ألا وهي مرحلة العناد بين الطرفين، مما قد يسبب في نهاية المطاف الانفصال، وبعدها يترتب عليها الكثير من المشاكل المجتمعية.
ومع هذا، لا بُد أن نبدأ بتعريف العناد في العلاقات الزوجية، وهو تمسك أحد الطرفين أو كليهما برأيه ورفضه التنازل عنه. العناد حالة نفسية تتجلى في رفض الانصياع للحق أو الأوامر والنواهي، حتى ولو كان الشخص يعلم أنها صحيحة أو منطقية. قد يكون العناد سمة شخصية، أو قد يظهر في سلوكيات معينة، خاصة في مرحلة الطفولة لدى أحد الطرفين، لكنه يتجلى في العلاقات الزوجية إذا اتضح لأحد الأطراف أن هناك إهمالًا متعمدًا من طرف لآخر، أو دخول أطراف أخرى في تلك العلاقة، وهنا أقصد إما الأهل أو الأصدقاء والصديقات. ويمكن أن يكون العناد نتيجة الخلافات المستمرة، والرغبة في السيطرة، أو تقليد سلوكيات سابقة، أو حتى فوارق علمية أو اجتماعية بينهما، أو حتى وظيفية إذا كانت لدى الزوجة وظيفة أو منصب أعلى من الزوج، مما يؤدي إلى تفاقم المشاكل والخلافات ويؤثر سلبًا على استقرار الأسرة.
ومن خلال البحث في هذا الجانب، يظهر العناد في العلاقة الزوجية في عدة صور، أولها تجاهل وجهة نظر أحدهما عندما يحدث نقاش بينهما سواء في أمور المنزل أو الأولاد وتربيتهم أو حتى الأمور التي تتعلق بدراستهم. طبعًا، هذه الصورة قد تكون في مرحلة زواج مستمر لفترة لا بأس بها، أي مرحلة النضوج. أما الحياة الزوجية الجديدة فتكون النقاشات والمواضيع مختلفة، على سبيل المثال: عدم الاتفاق على سفرة معينة، أو رغبة في الاستمرار في الاستمتاع بهواية محببة لأحدهما، أو حتى الخروج مع زملاء أو زميلات بالنسبة للمرأة، فلا يرغب أحد الأطراف في الاستماع لوجهة نظر الآخر.
وتظهر مرحلة العناد عند الزوج كشخصية عنيدة لا تحب أن ترضخ لأوامر أحد أو آرائه، ويرفض دائمًا الحقائق الثابتة حتى يظهر ذاته؛ فمثل هذا النوع من الأزواج لديه مشكلة في طريقة التفكير؛ لذلك يصعب على الزوجة التعامل مع هذا الزوج العنيد، فيتطلب منها قدر كافٍ من التكنيكية. أما العناد عند الزوجة، فأول مؤشراته عدم قدرتها على التوافق والتكيف مع الظروف المحيطة بها، وهو قد يكون مؤشرًا لضعفها، وقد يكون ستارًا زائفًا تدّعي من خلاله القوة لتداري ضعفها. ويشير علماء النفس إلى أن العناد صفة موجودة في الرجل والمرأة، لكنه أكثر وضوحًا عند المرأة، فهو سلاحها الوحيد الذي تدافع به عن نفسها أمام ما تعتبره قوة للرجل. ومن وجهة نظري، إن العناد لدى المرأة قد يكون سببه شعورها بفقدان الأمان الأسري مع الرجل.
يؤدي العناد بين الزوجين إلى الكثير من المشاكل والخلافات التي تؤثر سلبًا على العلاقة الزوجية، ويمكن أن يصل بهما الحال إلى حد التهديد بالطلاق. يخلق العناد جوًا من التوتر والضيق، ويفقد الحياة الزوجية معناها ويجعلها جحيمًا لا يُطاق. كما يؤثر العناد على العلاقة الزوجية في تبادل الاحترام، ويقلل من الاهتمام والتواصل بين الطرفين، وقد يتسبب في الطلاق والانفصال، وهذا في النهاية يزيد من تفاقم الحالة النفسية لدى الطرفين، وبدورها تنتقل تلك الحالة إلى الأطفال بينهم.
نعم، لا بُد من الوعي والإدراك في كيفية التعامل مع العناد في العلاقة الزوجية، وذلك من خلال:
1- وجب على الزوجين محاولة التواصل الهادئ والبناء فيما بينهما، والاستماع إلى وجهات نظر بعضهما البعض دون مقاطعة.
2- يتطلب من الزوجين أن يكونا على استعداد للتنازل والتفاوض للوصول إلى حلول وسط ترضي الطرفين.
3- يتوجب على الزوجين التحلي بالصبر والتحمل في مرحلة المناقشات، ومحاولة فهم الأسباب التي تدفع أحدهما إلى العناد والعمل على محاولة التغلب عليها.
4- على الطرفين التفريق بين المواقف الأسرية والرغبة في السيطرة، وهنا تتجلى الحكمة في إخضاع النفس للاستمرار في الحياة الزوجية التي نعلم جميعًا أنها قد يتخللها الكثير من المواقف التي يتوجب على الزوجين تجاوزها، والابتعاد عن حب السيطرة.
5- في بعض الحالات، قد يكون من الضروري طلب المساعدة من مستشار أسري لمساعدتهما على تجاوز هذه المشكلة، ولدينا -ولله الحمد- الآن كثير من مكاتب الاستشارات الأسرية التي قد تقدم الحلول المنطقية لتجاوز مراحل العناد.
كما إن الدين والقيم يلعبان دورًا حيويًا في الحد من العناد في العلاقات الزوجية، من خلال توجيه السلوكيات وتعزيز التفاهم والتسامح بين الزوجين، وهذا يعزز الالتزام بالقيم الدينية مثل الصبر، والتواضع، والرحمة، والتسامح، والعدل، ويسهم في قدرة الزوجين على التعامل مع الخلافات بشكل بنّاء، وتقليل احتمالية اللجوء إلى العناد. علاوة على أن تعاليم الدين الإسلامي، على سبيل المثال، تحث على حسن العشرة، والرفق بالزوجة، والتعامل معها بالمعروف، مما يسهم في خلق بيئة زوجية إيجابية تقل فيها نسبة العناد.
وهناك العديد من الآيات القرآنية التي تحث على حسن العشرة بين الزوجين، ومن أبرزها قوله تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ (النساء: 19). هذه الآية الكريمة تأمر بمعاشرة الزوجات بالمعروف، حتى لو كره الرجل بعض الصفات فيهن، فالخير الكثير قد يكون مخبأً في هذا الكره. وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ (النساء: 1).
وفي هذا الموضع، ورد الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ، وَتُفْضِي إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا) (أخرجه مسلم).
نعم.. يبقى العناد بين الأزواج أخطر أنواع العناد، لأنه كالنار التي تلتهم جدران البيت من الداخل بصمت، حتى لا يبقى منه إلا رماد الذكريات. ولأن الزواج سفينة لا تمضي بسلام إلّا إذا تعاون رُبّانها على تجاوز العواصف، فإنَّ التنازلات والمرونة هما شراعها الذي يحميها من الغرق. فلنزرع بين أركان بيوتنا لغة التفاهم بدل الصدام، ونُطفئ شرارة العناد قبل أن تكبر، لنحفظ أسرنا متماسكة، ونبني مجتمعًا راقيًا يليق بأحلامنا وقيمنا.